النظرية التحليلية

الأستاذ: شمس الأفنذي

 

ا

الباب الأول

مقدمة

قد درسنا عن عدة التعارف للغة كما عرفها ابن خلدون أن اللغة هي ملكة فى اللسان، وكذا الخط صناعة ملكتها فى اليد.[1] وعرف ابن جني اللغة: حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضها.[2]

قد كانت اللغة أولى وسائط الحياة الاجتماعية.[3] هي وسائل الاتصال بين أعضاء المجتمع.  عندما يتكلم الإنسان، فإنه يستعمل ألفاظا وجملا. وعلى هذا، فاللغة أداة للتعبير. فالإنسان العادي يعبر عن أفكاره وشاكله وفي قضاء حاجاته وحل مشكلاته والإتصال بالأفراد والجماعات.[4] اللغة التي يستخدمها الانسان لتعبير ما من الأفكار والشعور الذهني و الثقافات والحضارات من نتاج المجتمع.

قد تكون اللغة في الحوار أو الكتابة غموضا و تشبها و تجريدية أو مجازيا أو لها معان متعددة أو كلمات المشترك اللفظي إلى مكوناتها أو معانيها المتعددة التي لا يفهم معناها من معاني مفرداتها ومن العلاقات النحوية القائمة بينها. لفهم هذه اللغة نحتاج إلى دراسة معاني الكلمات أو يسمى بعلم الدلالة.

إن فى الطبيعة الحقيقة للغة يمكن فقد فهمها من خلال فهم المعنى. لأنه  يلعب دوره دورا كبيرا  فى كل مستويات التحليل اللغوي بدءا من التحليل الفونيمي. بل يلعب دورا كبيرا فى تطبيقات كثيرة لعلم اللغة مثل طرق الاتصال وتعليم اللغة و الترجمة و دراسة اكتساب اللغة أو الحوار بين الشخصين أو أكثر. لذلك، لابد لنا أن نهتم ببيان معاني المفردات أو الكلمات، وذلك حين تعمل الوحدات اللغوية كرموز لأشياء خارج الدائرة اللغوية أو حين تكون العلاقات بعض الحقائق المعينة في الواقع. والآخر نهتم أيضا ببيان معاني الجمل والعبارات و التراكيب أو العلاقات بين الوحدات اللغوية مثل المورفيمات والكلمات و الجمل.

إن مفردات اللغة تنقسم من حيث دلالتها على المعنى ثلاثة أقسام: الأول: يدل اللفظ الواحد على المعنى الواحد monosemy  وهذا هو الأصل. (ويطلق أولمان على الاسم حين يرتبط بمعنى واحد مصطلح الموافق الدلالية البسيطة). الثانى: يدل اللفظ الواحد على أكثر من معنى وهذا ما يسمى بالمشترك اللفظي homonymy  ويدخل فيه الأضداد. (ويطلق أولمان على هذه الحالة المواقف الدلالية المركبة). الثالث: يدل اللفظان أو أكثر على معنى واحد. وهذا يسمى بالمترادف synonymy.[5] وهذه المجالات قد كانت تبحث فى علم الدلالة.

أن النظريات الدلالية الحديثة كثيرة . منها نظرية إشارية ونظرية تصورية ونظرية سلوكية ونظرية سياقية ونظرية تحليلية ونظرية توليدية ونظرية الوضعية المنطقية في المعنى ونظرية براجماتية ونظرية “مور ـ كواين. وكان بعض هذه النظريات قد بحثناها وبعضها لم نبحثها.  لسنا فى هذه المقالة باحثا عن نظريات علم الدلالة كلها، بل نحدد بحثنا عن النظرية التحليلية فحسب. كان الأهداف في هذا البحث لمعرفة مفهوم النظرية التحليلية و التطبيقات للنظرية في الكلمات كي نستطيع تحديد المعنى الحقيقي و المجازي، الفرق بين الكلمتين المترادفين و تضييق المعنى وتوسيعه عن طريق إضافة ملامح أو حذفها.

الباب الثانى

1. النظرية التحليلية

وفى المقالة التى تمسَّكتموها مادة قصيرة تتكلم عما يتعلق بالنظرية التحليلية. إن الاتجاه التحليلى فى دراسة معانى الكلمات يأخذ مستويات متدرجة على النحو التالى :[6]

أ.  تحليل كلمات كل حقل دلالى وبيان العلاقات بين معانيها

ب.تحليل كلمات المشترك اللفظى إلى مكوناتها أو معانيها المتعددة

ج. تحليل المعنى الواحد إلى عناصره التكوينية المميزة

وقد تناولنا النوع الأول من التحليل فى اللقاء السابق ، ويبقى النوعان: الثانى الثالث وهما موضوع هذا الفصل.

قد رأى عبد الخير على أن ملمح المعنى هو كل كلمة تتكون من عناصر كثيرة، كانت جميع هذه العناصر تكوِّن معنى الكلمة . وهذه الملامح تستطيع أن تكون مُحَلَّلَةً ومفصَّلة ومذكورة واحدا فواحدا بناء على تعاريف كلها [7] . وتنفع هذه النظرية لطلب الفرق بين الكلمات المترادفة.

تعد النظرية التحليلية من أحدث التظريات التى تصدت لتحليل المعنى ودراسته. فقد أفاد العلمان اللغويان (Jerrold Katz) و (Jerry Fodor) من نظريتي السياق والحقول الدلالية في تطبيق النظرية التحليلية، التى يرى أصحابها أن معنى الكلمة يتحدد من خلال ما تحمله من ملامح ومكونات تميزه عن غيره.[8]

فيبدأ اللغوي أولا بتحديد المكون النحوي للكلمة موضع البحث من حيث كونها (اسما-فعلا-صفة-جمعا-…..)، ثم عليه تحديد المكون الدلالي للكلمة، من حيث كونها تشير إلى (جماد-إنسان-حيوان-نبات-ذكر-إنثى-فكرة….)، ثم ينتقل إلى تحديد المميزات الخاصة بالكلمة، ثم يظل اللغوي فى تشذير المميزات حتى يحقق القدر الضروري من التوصيف والشرح، بما يميزها عن غيرها من الكلمات الأخرى.

وقد طبّق (Jerrold Katz) و (Jerry Fodor) نظريتهما في أكثر من مجال، ففي مجال المشترك اللفظي (وهو اللفظ الواحد يحمل معنيين فأكثر)، قاما بتحديد الملامح الدلاللية لكل معنى من تلك المعاني بما يميزه عن غيره تمييزا تاما، حتى لا يمكن لأحد المعانى أن يملك العناصر أو المكونات نفسها التى يحملها معنى آخر. وقد مثلا لذلك بكلمة (Bachelor) التى تحمل معاني معجمية متعددة، مثل:

–      فارس صغير يعمل فارس أكبر

–      حامل الشهادة الجامعة الأولى

–      الرجل العزب

–      حيوان بحري معين بدون أنثاه خلال فتوة الإخصاب

ويمكن توضيح ذلك من خلال المخطط التالي:[9]

لكي يتم تحليل الكلمات المتشابهة المعاني، أو اللتي تندرج  تحت حقل  دلالي واحد  يجب اتباع الخطوات التالية:

  1. تحديد الكلمات التي تندرج فى حقل دلالي واحد،  وهي التي تشترك فى مجال دلالي خاص نتيجة لتقاسمها عددا من العناصر التكوينية، كالأب والأم والإبن والإبنة والخال والعمة والزوجة…… الخ،  فإنها تندرج فى حقل دلالي واحد هو حقل ألفاظ القرابة.
  2. تحديد الملامح التي يمكن أن تميز معنى عن غيره فى الحقل الدلالي الواحد، ففي حالة ألفاظ القرابة مثلا يمكن تحديد الملامح على النحو التالي:

–      جنس القريب (ذكر / أنثى)

–      جيل القرابة ( الجيل نفسه / قبله / بعده )

–      الانحدار المباشر ( قرابة مباشرة / غير مباشرة )

–      نوع القرابة (قرابة دم / قرابة مصاهرة )

  1. تحديد المكونات التشخيصية لكل معنى على حده، ويمكن التمثيل لذلك بالجدول التالي:
ألفاظ القرابة اب ام عم عمة خال خالة اخ اخت ابن ابنة ابن عم زوجة حم
ملامح دلالية
ذكر + + + + + + +
أنثى + + + + + +
جيل (نفسه) + + + +
جيل (سابق) + + + + + + +
جيل (لاحق) + +
قرابة مباشرة + + + + +
غير مباشرة + + + + + + + +
قرابة دم + + + + + + + + + + +
قرابة مصاهرة + +

من خلال ذلك الجدول يمكن أن نحدد معنى الأب مثلا، فهو ذكر، من جيل سابق، وقرابته قرابة مباشرة، وهي قرابة دم. كما يمكن أن نحدد معنى الزوجة  بأنها أنثى من الجيل نفسه (وهذا هو الأصل)، وهي قرابة مباشرة.

وقد تستخدم مثل هذه النماذج التحليلية للتفريق بين أفعال متقاربة فى المعنى، أو يجمعها معنى واحد، أو قل: حقل دلالي واحد، وهو حقل أفعال الحركة، فللتفريق بين الأفعال: (ذهب-جاء-جرى-طار-طلع-طاف-وقع-هوى) يمكن تحديد المميزات أو الملامح الدلالية المميزة لكل فعل منها على نحو ما ورد بالجدول التالي:

الفعل ذهب جاء جرى طار طلع طاف وقع هوى
ملامح دلالية
حركة + + + + + + + +
ذهاب +
إباب +
سرعة +
توسط فى السرعة + + + + +
إلى أعلى + +
إلى أسفل + +
دائرية +
على الأرض + + + + + + +
فى الفضاء + +
الأرض والفضاء + +

فالفرق مثلا بين الفعلين وقع وهوى – وإن كانا متقاربين فى الدلالة – أن الفعل (وقع) فيه توسط فى السرعة، بخلاف الفعل (هوي) الذي لا يظهر فيه هذا ملامح، كما أن الفعل (هوى) يكون على الأرض والفضاء تبعا، بينما الفعل (وقع) لا يكون إلا على الأرض فقط.

وقدّم ندا فى (Componential Analysis of Meaning) ست خطوات لتحليل المعنى :

‌أ.      اختيار المعنى (مؤقتا) الذى خرج من الكلمة العامة. المعنى المختار هو المعنى الذى فى محل مطرد. مثل المحل فى الإنسان الذى يشتمل على كلمة ( الأم – الأب – البكر – العزب وما أشبه ذلك )

‌ب.          تسجيل جميع الصفات الخاصة التى ملكها الكلمة. مثل كلمة (عزب) التى لها صفات خاصة مثل ذكر وغير متزوج وبالغ وأهل المِرْأة.

‌ج.            تعيين ملمح يستطيع أن يستعمله أخر. مثل صفة بالغ يستطيع أن يستعمله كلمة ( الأم – الأب – الجد – الجدة )، ولكن كلمة ذكر لا تستطيع أن تستعملها إلا كلمة (الأب – الجد )

‌د.    تعيين ملمح تحليلى مطرد. مثل كلمة ( عزب )، ملمحها التحليلى هو ذكر وبالغ وغير متزوج. وبالعكس، كلمة ( بكر )، ملمحها التحليلى هو أنثى وبالغة وغير متزوجة.

‌ه.     تفتيش المواد المفصلة فى الخطوة الأولى. وهذه الخطوة مستعملة لتثبيت الصفات الخاصة المسجَّلة فى الخطوة الأولى، هل هو مناسب أم لا. مناسبته وموافقته كقسم من أقسام المعنى الذى يستطيع أن يعين معيارا معينا

‌و.   تفصيل الأقسام التى حصلها التحليل بناء على المواد الموجودة. ولا نستطيع أن نسهِّل هذا البحث إلا بإيتاء الجدول مثل تفصيل أقسام المعنى الذى ملكه كلمة ( الأم – الأب – البكر – العزب ) [10]

الرقم الملامح الدلالية إنسان أب أم عزب بكر
1 له روح ± + + + +
2 متزوج ± + +
3 ذكر ± + +
4 بالغ ± + + + +

بناء على الملامح الدلالية الأربعة، ظهرت المساواة بين الكلمات المقصودة. وأما التفصيل فكما يلى :

أ‌.      كلمة ( أب ) و ( أم ) لهما مساواة فى ثلاثة الملامح، وهى مِلْكُ الروح ومتزوج وبالغ. والفرق بينهما فيما يتعلق بالجنس ( هل هو ذكر أو أنثى )

ب‌.          كلمة ( عزب ) و ( بكر ) لهما مساواة فى ثلاثة الملامح، وهى مِلْكُ الروح وغير متزوج وبالغ. والفرق بينهما فيما يتعلق بالجنس أيضا ( هل هو ذكر أو أنثى )

شرح الدكتور سالم سليمان الخماس بتحديد المكونات الدلالية بيان الملامح التمييزية التي لا تجتمع في كلمة أخرى سوى المعرفة. [11] وطريقة التعريف : يبدأ بالكلمة الغطاء التي تشمل جميع أنواع المُعرَّف، ثم يضاف ذكر الفصل، ثم الخصائص المميزة، فمثلا تُعرف الأريكة بأنها مقعد للجلوس، مُنجدة، قد تكون بظهر وذراعين، وهي قابلة للتحريك. هذا التعريف يميز الأريكة عن أنواع المقاعد الأخرى في هذا الحقل. انظر الجدول التالي ( + تدل على وجود الصفة، – تدل على عدم وجود الصفة) :

قابل للتحريك بذراعين بظهر خارج المبنى منجد لشخص واحد للجلوس
+ + مقعد
+ + + + كرسي
+ + دكة
+ + + + + أريكة
+ + + + + كنبة

وفى اللغة الإندونيسية، كانت هذه النظرية التحليلية مثل عملية التحليل كما فى الجدول التالى: [12]

Komponen Makna ð Berbulu Bersayap Berparuh Dapat 

Terbang

Dapat  

Berenang

Satuan Leksikal ò
Burung + + + +
Ayam + + +
Bebek + + + + +

يقام هذا التحليل بعد أن ينتهى تحديد الحقول الدلالية وحشد الكلمات داخل كل حقل . فلكى يتبين معنى كل كلمة وعلاقة كل منها بالأخرى يقوم الباحث باستخلاص أهم الملامح التى تجمع كلمات الحقل من ناحية وتميز بين أفراده من ناحية أخرى [13] .

وقد اعتبر بعض العلماء اللغويين التحليل إلى عناصر امتدادا لنظرية الحقول ومحاولة لوصع النظرية على ظريق أكثر ثباتا. وكان أحدهم هو عد نظرية التحليل التكوينى مكملة لنظرية المجال الدلالى وامتدادا لها. [14]

تهتم هذه النظرية بتحليل الكلمات إلى مكونات وعناصر.

وقد قدم ” كاتز و فورد ” تحليلاً مميزاً للكلمات ودلالاتها وأحصيا في ذلك ثلاثة عناصر اتخذت كمفاتيح للتحليل وتحديد المؤلفات التي تشكل الكلمة.

وذلك لتعيين دلالتها وهذه العناصر هي :

أ‌-        المحدِّد النحوي

ب- المحدِّد الدلالي

ج‌-          المميز

وأهمية هذه النظرية تكمن في طابعها الوظيفي إذ تستخدم في كثير من مجالات اللغة كالمجاز والترادف والمشترك اللفظي ولأن نظرية الحقول الدلالية تهتم بالنمط التصنيفي ودلالاتها بناء على تحليل تفريعي للصيغة، فإنها تلتقي مع النظرية التحليلية التي تعنى بتحديد مؤلفات الكلمة عبر خصائصها ومميزاتها الداخلية. [15]

فالمحدد الدلالي يقوم بتخصيص معنى شامل لكل تركيب . انطلاقاً من الدلالات الفردية للمورفيمات التي تؤلفه وتبعاً للطريقة التي تتألف بها هذه المورفيمات والمميز يشرف على تلك الوظيفة التمييزية ويقتضي ذلك وجود تضاد بين الوحدات المميزة  من ذلك التضاد الصوتي القادر على التمييز بين كلمتين من حيث المعنى كالتمييز بين الكلمتين:  (تاب) و(ناب) فوجود التاء في (تاب) مكان النون في (ناب) قد ميز بين دلالة هاتين الكلمتين . ويقوم المحدِّد النحوي بوظيفة التمييز بين دلالتين لصيغة واحدة تأخذ إحداها في التركيب وظيفة “الفعلية” والأخرى وظيفة “الفاعلية”، كما هو الشأن في كلمة “يريد” إن تحديد دلالات الصيغة اللغوية يتم بمقاربة هذه الصيغ بصيغ أخرى  داخل الحقل المعجمي كما ذهب إلى ذلك العالم دي سوسير بحيث نظر إلى المعنى على أساس أنه مجموع تقابلات الصيغة المنتجَة مع بقية الصيغ الأخرى “فكل لغة تنتظم في حقول دلالية، وكل حقل دلالي له جانبان: حقل  معجمي وحقل تصوري. ومدلول الكلمة مرتبط بالكيفية التي تعمل بها مع كلمات أخرى في نفس  الحقل المعجمي لتغطية أو تمثيل الحقل الدلالي، وتكون كلمتان في نفس الحقل الدلالي إذا أدى تحليلها إلى  عناصر تصورية مشتركة وبقدر ما يكثر عدد العناصر المشتركة بقدر ما يصغر الحقل الدلالي” إن المكون التركيبي يقوم “بخلق” دلالات إضافية للصيغة وذلك لاحتوائه على المكون الأساسي الذي هو جملة من القواعد (إعادة الكتابة) والمكون التحويلي الذي تحدد معه المداخل المعجمية، وبكتابة التركيب ببنيته العميقة تتم عملية الاستبدال بتحويل القواعد إلى جمل وتراكيب (سطحية) ، ثم إن تحليل الصيغة إلى مكوناتها هو الذي يحدد مجالها الدلالي بتطابقها مع صيغ أخرى لها المكونات نفسها، ويكون للصيغة المعجمية دلالتها المميزة إذا حوت على مكونات تمييزية يوضح ذلك أحمد مختار فيقول: “إن معنى الكلمة طبقاً للنظرية التحليلية هو “طاقم الملامح أو الخصائص التمييزية”، وكلما زادت الملامح لشيء ما قل عدد أفراده، والعكس صحيح كذلك، وعلى هذا يمكن تضييق المعنى وتوسيعه عن طريق إضافة ملامح أو حذف ملامح”.([16])

2. التطبيقات للنظرية

هناك مجالت كثيرة يمكن استخدام النظرية التحليلية فيها، كما أنا هناك مشكلات يمكن دراستها على ضوء هذه النظرية. ومن ذلك:

1- تحديد الحقيقة و المجاز.

إن معنى الكلمة طبقا للنظرية التحليلية هو (طاقم الملامح أو الخصائص التمييزية). وكلما زادت الملامح لشيئ ما قل عدد أفراده، والعكس صحيح كذلك، وعلى هذا يمكن تضييق المعنى و توسيعه عن طريق إضافة ملامح أو حذف ملامح. ولا شك أن تضييق المعنى أو توسيعه يعد ضربا من المجاز.

فمثلا إذا تم تحديد المكونات الدلالية للفعل (قطع) بأنه فعل الشق لشيئ متصل، وتكون أداته فى العادة شيئا حادا. فإن قولنا “قطع الخيط” يكون كلاما حقيقيا، لأنه يتفق مع المكونات الدلالية التى حُددت له من قبل، أما قولنا: “قطع كلامه” فإنه يكون كلاما مجازيا.

ومثل ذلك فى الفعل (جرى)، الذي يعنى – من خلال مكوناته الدلالية- حركة عن طريق نقل الأرجل بسرعة، فإن قولنا “جرى الاعب” يكون كلاما حقيقيا. أما قولنا “جرى القطار” أو “جرى الماء” فإنه يكون كلاما مجازيا.  وكذلك الفعل (يقطع) يعني فعل الكسر أو الشق لشيئ متصل (مثل خيط) بشيئ حاد. فإذا قلنا (قطع الخيط) كان المعنى حقيقيا، وإذا قلنا (قطع كلامه) يكون المعنى مجازيا.

2. اكتساب الطفل للكلمات

فإن الأطفال فى العادة لا يفرقون بين المتشابهات لهم.  هم يفعلون مع كل شكل كروي، فيقولون على التفاحة أو البرتقالة ونحوهما “كرة”.  كما أنهم لا يفرقون بين الحصان والحمار، ولا بين البقرة والجاموس، ولا بين الذباب والبعوض.  كما يخلطون بين الفأس والمطرقة والقدوم. ومن المعروف أن الأطفال الصغار يميلون إلي تعميم مدلولات الكلمات الأولى التى يتعلمونها، واستخدامها فى مجالات أوسع من المجالات التي يستخدمها فيها البالغون. ويمكن أن نفسر هذا على أن الدفل قام بعملية إسقاط لبعض الملامح التمييزية ةإبراز لبعضها الآخر. لأنه عجز عن التمييز بين الصفات الأساسية والصفات العرضية فخلط بينها، أو جعل من الصفات العرضية صفات أساسية أو العكس.

فكل ذلك عند أطفال المدن خاصة (شكوش)، هكذا. ويرجع ذلك إلى أنهم يسقطون بعض الملامح الدلالية لكل عنصر مما سبق. ويعتمدون فى ذلك على الشكل الظاهري. ومن ثم فإن تحديد المكونات الدلالية لمعنى الكلمة باستخدام النظرية التحليلية يمكننا من تحديد ما يُسقطه الطفل منها، ثم يُفطًن من خلالها إلى ما يجب تعليمه للأطفال فى مختلف الأعمار.

3. تحديد المترادفات

هناك كلمات قد تبدو لأول وهلة من المترادفات، ولكن بتطبيق النظرية التحليلية عليها، أي بأن تحدد المكونات الدلالية لكل منها، نجد أن هناك فروقا بينها لا يمكن إغفالها، حينئذ لا يُحكم  عليها بالترادف، أما إذا أُعطيت الكلمة المكونات الدلالية نفسها التى أُعطيت الأخري فإنه حينئذ يُحكم لما بالترادف.

ويمكن التمثيل لذلك بكلمتين، مثل : (article/ paper) ، فكما يعنى بحث قصير، ولكنهما يختلفان فى مكوناتهما الدلالية، ذلك على النحو التالى:

الكلمة article paper
الملامح الدلالية
التناول الفنى +  أو  – +
نية النشر + +  أو  –

ومن ثم حُكم على هاتين الكلمتين بعدم الترادف.

4. المشترك اللفظي

المشترك اللفظي نوعان:

أ. نوع حدث نتيجة فى الجانب الدلالي أي نتيجة اكتساب الكلمة معنى جديدا أو معانى جديدة مثل كلمة operation   التى تستعمل للدلالة على الخطة العسكرية وعلى العملية الجرحية وعلى الصفقة المالية …… ومثل كلمة (بشرة) التى تعنى جلد الإنسان، وتطلق كذلك على النبات. ويسمى هذا النوع : بولبزيمي polysemy  (كلمة واحدة – معنى متعدد).

ب. نوع حدث نتيجة تطور فى جانب النطق، ويحدث هذا حين توجد كلمتين تدل كل منهما على معنى ثم يحدث عن طريق التطور الصوتي أن تتحد أصوات  الكلمتين وتصبحا فى النطق كلمة واحدة.  مثال ذلك كلمة sea   بمعنى بحر و  see  بمعنى يرى ( لا يهم اختلاف الهجاء). ويسمى هذا النوع هو مونيمي homonymy  (كلمات متعددة – معان متعددة).

الفصل الثالث

خلاصة

تهتم هذه النظرية بتحليل الكلمات إلى مكونات وعناصر. واتخذت هذه النظرية من (المحدد النحوي والمحدد الدلالي والصفة المميزة) أساساً ثلاثياً للتحليل التكويني للكلمات. [17]

‌أ.       فالمحدد النحوي يقوم بوظيفة التمييز بين دلالتين لصفة واحدة تأخذ إحداها في التركيب وظيفة (الفعلية) وتأخذ الأخرى وظيفة (الفاعلية).

‌ب. والمحدد الدلالي يقوم بتخصيص معنى شامل للتراكيب انطلاقاً من الدلالات الفردية للمورفيمات التي تؤلف هذا التركيب.

‌ج.  والصفة المميِّزَة تشرف على التمييز الدلالي بإبراز العلاقات الحادثة بين الوحدات المميَّزة.

إن تحليل الصيغة ( الكلمة ) إلى مكوناتها هو الذي يحدد مجالها الدلالي، وذلك من خلال تطابقها مع صيغ أخرى لها المكونات نفسها. وتكمن أهمية هذه النظرية في طابعها التوظيفي إذ إنها تُسْتَخدم في الكثير من مجلات اللغة كالمجاز ، والترادف ، والمشترك اللفظي .

المراجع

د. أحمد مختار عمر ، علم الدلالة ، دار الكتب ، قاهرة، الطبعة الخامس،  1998

د. أسامة عبد العزيز جاب الله ، قراءة تأملية في مصطلحات دلالية ، قاهرة ، ــ ، 2002 م

سالم سليمان الخماس، المُعْجَم وعلم الدّلالَة، جدة ، جامعة الملك عبد العزيز، 1428 هـ

د. منقور عبد الجليل ، علم الدلالـة أصوله ومباحثه في التراث العربي ، دمشف ، __ ، 2001 م

محمد محمد داوود ، العربية وعلم اللغة الحديث،  دار الكتب، قاهرة ، 1998

د. علي أحمد مدكور، تدريس فنون اللغة العربية، مكتبة الفلاح، الكويت، 1984

د. عبد المجيد سيد أحمد منصور، علم اللغة النفسي، جامعة الملك سعود، الرياض، 1982

د. محمد علي الحولي، أساليب تدريس اللغة العربية، دار الفلاح، 2000

د. فريد عوض حيدر، علم الدلالة، دراسة نظرية وتطبيقية، مكتبة الآدب، القاهرة، 2005

د. هدسون، علم اللغة الاجتماعي، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة الشالثة، 2002

Aminuddin, M.Pd., Semantik, Pengantar Studi Tengang Makna, Sinar Baru Al-Gensindo, Bandung, 2008, Cet. Ke- 3

Mansoer Pateda, Dr.,Prof., Semantik Leksikal, PT Renike Cipta, Jakarta, 2010, Cet. Ke-2

Abdul Chaer, Linguistik Umum, PT Renike Cipta, Jakarta, 2007, Cet ke-3

Samsunuwijayati Mar’at, Prof., Psikolinguisti, Suatu Pengantar, PT Refika Aditama, Bandung, 2005

Suparno, Linguisti Umum, Tarbiyah Wathoniyah, Jakarta, 1993

Artikel, http://www.ilmu dilalah.com. disalin pada tanggal 1 Oktober 2010-10-19

http://www.daifi,montarabi.com. Disalin tanggal 7 Oktober 2010

عبد الخير ، Pengantar Semantik Bahasa Indonesia ، جاكرتا ، رينكا جيفتا ، 1990 م


[1] د.عبد المجيد سيد أحمد منصور، علم اللغة النفسي، جامعة الملك سعود، الرياض، 1982، ص.5

[2] المرجع السابق، ص. 6

[3] المرجع السابق، ص. 274

[4] د. علي أحمد مدكور، تدريس فنون اللغة العربية، مكتبة الفلاح، الكويت، 1984، ص. 43

[5] د. فريد عوض حيدر، علم الدلالة دراستة نظرية وتطبيقية، مكتبة الآداب، القاهرة، 2005، ص. 117

[6] الدكتور أحمد مختار عمر، علم الدلالة ، ص.  114

[7] عبد الخير ، Pengantar Semantik Bahasa Indonesia ، جاكرتا، 2003 ، ص 318

[8] محمد سعد محمد، في علم الدلالة، مكتبة زهراء السرف، القاهرة، 2002، ص. 51

[9] المرجع السابق، ص. 52

[10] الدكتور سوفارنو ، علم اللغة العام ، ص 251 – 252 .

[11] الدكتور سالم سليمان الخماس ، المُعْجَم وعلم الدّلالَة ، ص 89 .

[12] ويداواتى ، Balai Bahasa Yogyakarta ، ص 262 .

[13] الدكتور أحمد مختار عمر، علم الدلالة ، ص 121.

[14] الدكتور محمد محمد داوود ، العربية وعلم اللغة الحديث ، ص 203.

[15] منقور عبد الجليل ، علم الدلالـة أصوله ومباحثه في التراث العربي ، ص 51.

([16])الدنتور أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص 126.

[17] قراءة تأملية في مصطلحات دلالية – للدكتور أسامة عبد العزيز جاب الله ( كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ )

Leave a comment